اللعبة

 
 

من الواضح جداً أن العالم اليوم يسعى لنيل مرضاة الإله، وإن لعبة التنافس في ذلك حامية الوطيس حتى أنه يمكن القول أن البشر جميعاً يتنافسون في هذه اللعبة؛
كل يوم تأتينا الأخبار عن عشرات بل مئات القتلى الذين تزهق أرواحهم من أجل مرضاة الله ؛
على سبيل المثال: أعلن مستر بوش أنه كان يصلي يومياً ويبتهل إلى الإله كي يلهمه الصواب في غزو العراق وطبعاً كان الوحي الذي تلقاه أن نعم عليك بـغزو العراق. لقد ظهرت له صور عديدة وهو يصلي في خشوع وقد أغلق عينيه بقوة وزم شفتيه بحزم وكله رغبة حقيقية بإرضاء الإله، وطبعاً لم تكن هنالك طريقة أفضل لإسعاد الرب أكثر من قتل الآلاف من الشعب العراقي ومحو تراثهم العريق، وإعاثة الفساد في مقدساتهم رغم أن هنالك آلاف الأميال ومئات الجبال والبحور والوديان تفصل بينه بينهم وليس هنالك أي علاقة ثأر بين إنسان العراق الأول وبين جدّه الأول بوش انتهاء بحفيده الأصغر بويش؟

بعد حادثة 11/9 ـ المسرحية الهزلية ـ وبعد قراءات طويلة متأنية لكتابه المقدس أعلن بوش أن العالم قد انقسم ـ لابد أنه تلقى وحياً آخر بهذا الشأن ـ فالعالم إما معه وإما عليه؟
العالم برأيه ـ الديني ـ يجب أن يؤيد أمريكا باعتبارها مصدر الحق وعنوان العدل ومصدر التشريع أما إذا كان لأحد ما رأي آخر فإنه حتماً سيصنف بأنه معاد للحقيقة وخارق للعدالة وناشز عن التشريع الأمريكي المقدس، أو بمعنى آخر مختصر جداً سيكون- ارهابيا- هذه هي خلاصة صلوات بوش ورغبته في إرضاء الله؟
العالم اليوم إما امريكيون راضون مرضيون من الإله، وإما ارهابيون قد نزل بهم غضب الإله... انتهى؟
مبعوث آخر لإرضاء الإله إنه القديس "أرييل شارون" إذ أنه يعمل بجد وإخلاص لإسعاد إله بني إسرائيل لأن حربه مع الفلسطينيين واحتلاله لأراضيهم وقتل أطفالهم ماهو إلا لإرضاء الإله؟
والحقيقة أن إله بني اسرائيل أقل طموحاً من ذاك الذي تلقى منه المستر بوش الوحي إن إله أرييل شارون لا يهتم إلا بتقسيم الأراضي والعقارات لبني اسرائيل وطبعاً كان الإله في قمة الرضا عند حدوث مجازر دير ياسين وصبرا وشاتيلا وقانا وجنين؟
أما عندما أطلق الاسرائيليون النار على المصلين المسلمين في المسجد الأقصى عند صلاة الفجر فاردوهم قتلى فقد كان إله بني اسرائيل قد تربع على قمة السعادة؟
 طوال حكم الرئيس "المسلم" صدام حسين. كان علم بلاده يرفرف خفاقاً وهو يحمل عبارة "الله أكبر" وطوال هذه الفترة الميمونة من حكمه في ظل هذه العبارة وهذا الاعتبار كان صدام يقتل مئات الآلاف من ابناء شعبه العراقيين مسلمين ومسيحيين ولم يخالجه أدنى شك أن "الله أكبر" التي رفعها شعاراً لحكمه قد لاتتلاءم مع ممارساته فيمن تربطه بهم رابطة الدم والأرض والتاريخ والجذور أو الدين؟
في المملكة العربية السعودية نالت حوادث التفجير والقتل في المجمعات التجارية كثيراً من الأبرياء والنساء والأطفال ولا بد أن القائمين عليها كان لديهم نية خفية ايضاً لإرضاء الإله؟
منذ أسابيع وفي باكستان قام بعضهم بدس عبوة ناسفة في أحد الجوامع فقتل عشرات المصلين.  قد يكون لدى هؤلاء النية ذاتها التي عند الآخرين؟
قبيل فضيحة تعذيب السجناء العراقيين برز المدعو رامسفيلد وهو يحمل صورة لـجامع وفيه مسلمون يحملون أسلحة وكانت هي المرة الأولى التي أرى فيها المدعو رامسفيلد على شاشة التلفاز ضاحكاً إذ أنه يبدو دائماً مكفهر السحنة مقطب الجبين، كان يضحك ملء شدقيه هازئاً بالمسلمين الذين يحملون السلاح في أماكنهم المقدسة وهو يقول: انظروا إليهم إلى هؤلاء المسلمين إنهم يحملون أسلحة في جوامعهم اي "دين" هذا يؤمنون به؟
طبعاً إن الصور التي تظهر تعذيب السجناء العراقيين الوحشي والإساءة لهم جنسياً لا بد أن أجواء السلام والروحانية ترفرف فيها أكثر من الصور التي هزء منها سابقاً؟
ولكن يبدو أن إله رامسفيلد هو الآخر له رضا في هذا التعذيب للسجناء العراقيين وإلا لما اقدم عليه هذا الـ "رامسفيلد" ؟
قال لي أحدهم ذات يوم: أنا لا احب الإله إنه هو سبب المشاكل كلها لولا الدين لعاش الناس بسلام على سطح الأرض؟


يقول الله جل وعلا في سورة الجاثية- آية23: "أفرأيت من اتخذ إلهه هواه واضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله أفلا تذكرون"  . لاشك في أن هذا الـ"احدهم" أو غيره لن يحب الإله لأن هذه الفئات المتنازعة والمتعطشة لسفك الدماء في اصقاع الأرض ليس لها إلهاً سوى أطماعها ونزواتها وأهوائها التي تجعل في آذانها وقراً عن سماع نحيب الأمهات الثكالى وانين المعذبين في غياهب السجون وصراخ المشردين الباكين على أنقاض بيوتهم التي دكتها قوات "إسعاد الإله" أو عفواً "الهوى"؟"
مثال آخر للعبة الدين التي يتقنها الناس اليوم؟
أفضل طريقة لحسم نقاش حاد بين طرفين هي أن يعلن أحدهما للآخر أنه "كافر" أو "زنديق"؟

يقول الله عز وجل في سورة المائدة- آية 105: "يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم إلى الله مرجعكم جميعاً فينبئكم بما كنتم تعملون".؟
وقياساً إلى هذا الأمر الإلهي من الله سبحانه وتعالى ترى هل إذا اهتم كل انسان بنفسه وسعى إلى اصلاحها وتوقف عن "تكفير" الآخرين ألا تصبح الأرض فردوساً حقيقياً؟
عندما كنت لا أزال أعيش في ربوع الوطن كنت أظن أن "لعبة الدين" هي من اختصاص بلادنا ـ دول العالم الثالث ـ
مثلاً: إذا أراد أحد أن يثأر لنفسه من خصم لدود فما عليه إلا أن يهمس في أذن حجر اصم في مغارة نائية في رأس جبل بعيد وفي ليل بهيم صامت أن هذا الشخص هو "أخوان مسلمين؟ وماهي إلا ثوان وإذا بهذا الشخص في عداد المفقودين!
ولكن بعد أن غادرت الوطن وعشت في تماس مع الحضارة الغربية ـد ول العالم المتحضرـ اكتشفت أن "لعبة الدين" هي عالمية؟
إن استخدام الإله كي نحقق مآربنا هي اسهل طريقة للفوز في اللعبة .ولكن اين الحقيقة؟

يقول الله عز وجل  في سورةالبقرة آية "163: " وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم".؟
الله واحد لاشريك له وأول صفة نعت نفسه بها بأنه رحمن وأنه رحيم فكل من تسول له نفسه سفك الدماء إن هو إلا عبد لهواه وليس عبداً لله الرحمن الرحيم؟

وفي الحديث القدسي يقول الله عز وجل "ياعبادي: إني حرَّمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا"؟
وهكذا عندما تأتي الشمس من المغرب دون المشرق ويتكلم القوي بلغة المنطق، عندما يطير الجمل ويصبح ماء البحر حلواً كالعسل.عندما تسبح الحمام ويولد فرخ النعام؟
عندها سوف يتمنى بوش لأطفال العراق العيش كما يتمنى لطفله المدلل وعندها سوف يشعر شارون بأي فلسطيني وكأنه ولده المفضل وعندها لا يصبح النفط نقمة على العرب بل يكون نعمة؟
أليس خاتم النبيين والمرسلين محمد (ص) من قال: "لايؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه